-A +A
صالح الزهراني (جدة)
استحق المعمر السعودي عليان الحاشدي الذي ناهز عمره (107 أعوام)، لقب شيخ تجار الذهب في جدة، لتميزه في «المعدن النفيس» ومعرفة كل خفاياه وأسراره، مستفيدا من الخبرة العريضة التي اكتسبها في المجال، إذ حصل على أول سجل تجاري، بالتزامن مع تأسيس الغرفة التجارية في جدة قبل 72 عاما، ما دفعها لتكريمه أخيرا باعتباره من الرواد.
وتحفل مسيرة الحاشدي الذي عاصر سبعة ملوك بدءا من المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وحتى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان عبدالعزيز حفظه الله، بكثير من المحطات المهمة مع الذهب، ونقل خبراته لأجيال عدة، وزامل كثيرا من رجال الرعيل الأول للتجارة في البلاد منهم سليمان الراجحي، وسليمان أبو داود.

وبدأ الحاشدي عمله قبل تسعة عقود، بتعلم تصميم وطلي وإصلاح الذهب قرب الحرم المكي الشريف، حين لم يكن هناك سوى محلين لمحمد حسن فارسي وطه بخش رحمهما الله، فتشرب فنون المهنة من رجل جاوي يسمى بستاني، وتمكن خلال فترة وجيزة من توفير مبلغ مالي ساعده على شراء وبيع بعض المشغولات الذهبية التي كان يصممها بنفسه، قبل أن يفتتح محلا عام 1354.
وقال الحاشدي: «كنت دوما أنظر إلى جدة على أنها المدينة التجارية الأولى وبوابة الحرمين الشريفين ونقطة استقبال وانطلاق الحجاج والمعتمرين، لذا كنت متحمسا ببدء مشروعي بها، وهو ما حدث، حين استأجرت محلا في شارع قابل الذي كان عدد المتاجر فيه لا تزيد على أربعة»، مشيرا إلى أنه بدأ يمارس المهنة بجوار رواد ومشايخ الذهب في جدة أمثال حسن ومحمد فتيحي، هاشم وعلي عزوز، عبدالكريم إدريس، محمد صالح محمود، عبدالغني السليماني، بينما زامل في مكة المكرمة عبدالله مصلي، محمد النشار، محمد حمودة.
وروى تفاصيل إنشائه ورشة للذهب في منطقة مكة المكرمة بمساعدة الجاوي بستاني، مشيرا إلى أن الاتصال بين الطلاب الإندونيسيين الذين كانوا يدرسون العلوم الشرعية في مكة المكرمة ووطنهم انقطع بسبب الحرب العالمية الثانية، فتبناهم بستاني وعلمهم تصميم الذهب والمجوهرات، «واستفدت منهم في تأسيس ورشة للصياغة في حارة الشام وسط جدة، وعلموا كثيرا من الشباب السعوديين الذين برعوا في المهنة».
وبين الحاشدي أنهم كانوا يبيعون جرام الذهب آنذاك بخمسة ريالات فقط، حيث لم يكن سعر الكيلو يتجاوز خمسة آلاف ريال، وكانوا يزنونه بالمثقال الذي يعادل 24 قيراطا أو الدرهم الذي يعادل 16 قيراطا، ومكث فترة طويلة يمارس عمله التجاري في سوق الصاغة بشارع قابل، موضحا أن الشيخ سليمان الراجحي من أعز أصدقائه، وعندما كان ينزل إلى جدة آنذاك ويحل وقت الصلاة كان يضع أمواله في متجره ويعود لاسترجاعها، قبل أن يفتتح فرعا لبنك الراجحي في جدة.
وذكر أنه حرص في ذلك الوقت على السفر إلى لبنان وبعدها لإيطاليا للتعرف على أحدث التصميمات وشراء الموديلات الجديدة التي تناسب الذوق السعودي، واشترى من روما ماكينات صناعة السلاسل الذهبية، ودشن بها أول مصنع في جدة والمملكة كافة، بالاستعانة بالخبرات الإيطالية، وتوسع في تجارته المحلية، ونفذ كثيرا من التصميمات والموديلات التي لاقت استحسان الكثيرين، لافتا إلى أن ذاكرته لا تزال تختزن عملية هدم سور جدة العتيد عام 1367 بعد إطلاق مشروع العين العزيزية لتبدأ العروس في التوسع.
وأفاد الحاشدي أن صناعة الذهب شهدت تطورا كبيرا في السنوات الماضية، وبعد أن كانت أغلب المشغولات يدوية بسيطة وتتركز على الأساور والسلاسل والحلقان، اختلف الوضع الآن وباتت الأطقم أشكالا وألوانا، وظهرت الخواتم والأطقم الإيطالية والهندية والبحرينية، علاوة على السعودية، بل ظهر الذهب الأبيض، وزاد إقبال النساء على الشراء مع تحسن الحالة الاقتصادية للناس.
وأضاف: «وبينما لم يكن في جدة سوى عدد من المحال تعد على أصابع اليد الواحدة آنذاك، وصلنا الآن إلى 850 معرضا، ويبقى الذهب في كل الأزمان زينة وخزينة، والملاحظ أن أهل الجنوب يعشقون شراء الذهب الثقيل، في حين تميل الجداويات لشراء الذهب البسيط الأقل وزنا»، مشيرا إلى أن صناعة الذهب في المملكة تطورت كثيرا وبات يوجد بها مصانع تصدر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوروبا وكثير من دول العالم.
وأشار إلى أنهم كانوا يتخذون كثيرا من الإجراءات لنقل كميات الذهب، موضحا أنه حين كان يضطر لنقل كميات الذهب المشغول من مكة المكرمة إلى جدة، يضعه في سرة قماشية وعندما يحين وقت الصلاة يتوجه لأداء الصلاة في الحرم المكي الشريف، ويضعها خلفه عند تأدية الفريضة ويستريح قليلا وهي تحت رأسه، ثم ينقلها إلى جدة.
وأوضح أنه يحتفظ بكثير من الوفاء لغرفة جدة وربانها الشيخ صالح كامل ونائبيه مازن بترجي وزياد البسام، مبينا أنه كان يزود الغرفة بالهدايا التذكارية مثل السيوف والخناجر الذهبية المرصعة بالأحجار الكريمة لتقديمها لضيوف السعودية الرسميين.
وتزوج الحاشدي مرة واحدة ويحمل الكثير من التقدير لرفيقة دربه التي أنجبت له ثلاثة أبناء وست بنات، مبينا أن أبناءه يعملون في القطاعين التعليمي والتجاري، وتشربوا المهنة، ملمحا إلى أن الحياة في السابق كانت تعتمد على الراديو، الذي يقتني منه جهازا أثريا يستمع من خلاله على أخبار العالم، ومؤشرات أسعار الذهب في أنحاء المعمورة.